المقدمة
ينظم مركز البحوث الجنائية والتدريب التابع لمكتب النائب العام بالشراكة مع كلية القانون بجامعة مصراتة
مؤتمرا دوليا علميا بمناسبة مُضِي سبعين عاماً على صدور قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية في ليبيا عام 1953م،
وهما القانونان اللذان يشكلان قاعدة الأساس في بناء منظومة العدالة الجنائية.
وإذا كان قانون العقوبات يرسم حدود دائرة التجريم والجزاء استثناء على مبدأ أن الأصل في الأشياء الإباحة، فإن
دائرة التجريم ما انفكت تتسع عبر الزمن بفعل عوامل التطور التي تحدث في المجتمع الليبي، مما دعا المشرع عبر مختلف
المراحل منذ استقلال الدولة الليبية عام 1951م إلى إصدار قوانين خاصة مكملة لقانون العقوبات العام، الأمر الذي خلق حالة
من تزاحم النصوص التي تحكم الواقعة القانونية الواحدة، بالإضافة إلى خلق حالة من عدم التوافق بين النصوص من حيث
مصدرُ الشرعية الجنائية وغاياتُ الجزاء، ولاسيما فيما يخص التشريعات المستمدة من الشريعة الإسلامية الغراء.
ومما زاد في حدة الحاجة إلى تقييم وتطوير قانون العقوبات، والقوانين المكملة له، ظهور طائفة جديدة من
الجرائم المستحدثة التي أفرزها التطور الاقتصادي، والتقني، والمعلوماتي، وتلاشي الحدود بين الدول في العقود الأخيرة
من الزمن المعاصر.
ولكن إعمال نصوص التجريم والجزاء يظل رهن قانون الإجراءات الجنائية، فهو وحده الذي يبث فيها الروح؛
لكون الدعوى الجنائية من أهم أدوات الدولة في نيل حقها في الجزاء؛ لأجل تحقيق أغراض الجزاء الجنائي، وفق مبادئ
السياسة الجنائية المعاصرة، وضمان حقوق الضحايا.
وهذا القانون الإجرائي هو الآخر أسوة بقانون العقوبات في حاجة ماسة إلى إعادة التقييم والتطوير؛ ليكون مواكبا
للنظم الإجرائية المعاصرة من حيث الفاعليةُ، وسرعةُ الفصل في القضايا الجنائية؛ لتحقيق الهدف الأسمى من منظومة
القوانين الجنائية، وهي تحقيق العدالة الناجزة، مع مراعاة حقوق المتهم في مثوله أمام قاضيه الطبيعي، وتمكينه من ممارسة
حقه في الدفاع أمام هيئات قضائية مستقلة، خلال مراحل الدعوى: تحقيقا، واتهاما، وحكما، وتنفيذا.